شهادةٌ في شوقي أبي شقرا (مقتطفةٌ من نصٍّ أطوَل) ظهرت في الكتاب التذكاري الذي صدر عن “دار النهار” في مرور سنةٍ على غياب الشاعر.
“أظهَرُ (أو أخفى) ما يُتحفك به شعر شوقي أبي شقرا (أو إنّ هذا ما يتهيّأ لي) هو إقامتُه البرهانَ، في كلّ عبارةٍ تقريبًا، على وحدة المصدر الذي ينبثقُ منه الشعر وتخرج منه الفكاهة. فها هنا مقدرةٌ على إقلاق العلاقة بين مكوّنات العبارة: بين المبتدأ والخبر، مثلًا، أو بين الصفة والموصوف أو بين المعطوف عليه والمعطوف، إلخ، بحيث تحصل البغتة. والبغتةُ هنا لطيفة: لا تصدم بل تحملُ على السؤال: كيف كان ذلك؟…
وعلى الاستبشار بجوابٍ يسوّغ ما كان من ظَفَرٍ بابتسامة. وذاك أنّ ابتسامة القارىء (صريحة كانت أم مهمومًا بها) تسبق الجواب المرجوّ، على رغمٍ من أنّ المفترض أن تكون مكافأةً عليه. فمع أنّ اقتران مفردتين في مركّبٍ، عند أبي شقرا، يأتي أبعدَ ما يكون عن المنتظر، إلّا أنّ شعورًا غلّابًا يساورك بأنّ الحال هي فعلًا ما تؤدّيه عبارة الشاعر ولكنّ هذه الموافقة كانت قد فاتت فطنتك. هذا أيضًا ما يستطيعه حسّ الفكاهة: أن يُشعرَك، على غير انتظار منك. بأنّ العبارة الذائعة إنّما تزلق على سطح الأمور وأنّ القولة النافذة إلى اللُباب لها أن تمعنَ في الإغراب فلا يزيدُها هذا الإمعان إلّا صدقًا وكشفًا.
… هذا وقد مضى عهدٌ كنتُ أتردّد فيه على مكاتب “النهار” في الحمرا لأستودع شوقي أشعار شبابي، ينشرها في “الصّفحة الثّقافيّة”. وكنت لا أستبعد، في تلك الأيّام، أن يكون شوقي مُعرِضًا عن إصلاح هندام حاجبيه الأشعثَين من قبيلِ السخرية من صورة للأمير بشير الشهابي معلّقةٍ في قصر بيت الدين كانت تخيفنا في كتاب التاريخ ونحن صغار…”.
(أحمد بيضون)
“شوقي أبي شقرا ١٩٣٥-٢٠٢٤ مئة شهادة وشهادة في ذكرى الغياب الأولى”، دار النهار، بيروت، ٢٠٢٥، ص ٢٠