أحمد بيضون: فرص عربية ضائعة

في ندوة نظّمها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في بيروت، أمس، يدرج الباحث اللبناني كتابه “الربيع الفائت”، الصادر حديثاً، ضمن إطار نقدي ذي مستوَيين: “نقد الشعوب، ونقد الأنظمة”، معتبراً أن العمل ليس سيرةً ذاتيةً ولا سيرةً لما سُمّي “الربيع العربي”.
— Read on www.alaraby.co.uk/books/2016/9/2/أحمد-بيضون-فرص-عربية-ضائعة

عن “الربيع الفائت”

قراءة أنطوان أبو زيد ل Libérations arabes en souffrance أحمد بيضون يدعو الى تحرير العرب من الثقافة المعطّلة | اندبندنت عربية

 يعود  المفكر والأكاديميّ اللبناني أحمد بيضون قرّاءه بغير لغة الضّاد التي أثرت عنه نصاعته فيها، يعودهم فرانكوفونياً بل كاتباً متيناً بلغة فرنسية، لا تقلّ رفعةً وجمالاً عن لغته العربية الأصيلة، وذلك في كتاب جديد صادر له بالفرنسية، عن دار لوريان دي ليفر وأكت سود ، بعنوان: “تحريرات العرب المعطّلة”.  والكتاب كناية عن مقالات وأبحاث وكلمات كان الكاتب قد “Libérations arabes en
— Read on http://www.independentarabia.com/node/92201/ثقافة/كتب/أحمد-بيضون-يدعو-الى-تحرير-العرب-من-الثقافة-المعطّلة

عقل العويط عن Liberations arabes

ما يُشتَهى للحكم من مواصفات الحكّام في ضوء ثورة 17 تشرين: أحمد بيضون نموذجًا؟

نشر أحمد بيضون للتوّ كتابًا بالفرنسيّة،

liberations arabes en souffrance، يمكن اقتراح هذا العنوان له في العربيّة، بعد الاستئناس برأيه: “وجوهٌ للتحرّر العربيّ .العاثر”

الكتاب الصادر لدى دار “أوريان الكتب/سندباد/أكت سود”، هو عشرة نصوصٍ كان وضعها الباحث خلال حقبةٍ تمتدّ على أكثر من ثلاثين عامًا، يندرج كلٌّ منها ضمن سياقاتٍ وطنيّةٍ، دولتيّةٍ، بنيويّةٍ، ثقافيّةٍ، تاريخيّةٍ، ومجتمعيّةٍ، لبنانيّةٍ وعربيّة. من أهمّيتها، أنّها لا تزال ضرورةً راهنةً، بل مرجعيّةً، في مضامينها ودلالاتها.

فهي بقدْر ما تومئ إلى قضايا وإشكاليّاتٍ وأحداثٍ ولحظاتٍ مستلّةٍ من خبرات هذه الثلاثين عامًا المشار إليها، وبقدْر ما تلفت إلى الموروثات الدوغمائيّة، المصرّة على مواصلة العيش في المنعطفات التاريخيّة، الماثلة أمامنا، تقدّم أجوبةً عن الأسئلة والتحدّيات التي نعيشها الآن وهنا.

الكتاب.

على الغلاف الخلفيّ للكتاب نقرأ ما يأتي: هذه النصوص العشرة امتدّ تأليفها على ثلاثين عامًا ونيف، وهي تقيس وتقيم مقارنةً بين أطر الحياة التي فرضتها الحداثة وبين ترسانة العقائد والتقاليد التي لا تزال حيّةً في الفضاء العربيّ. وهي، أي النصوص، تسعى إلى تبيان إلى أيّ حدٍّ يقدّم التمسك بالمواقف من جهة، والتسويات من جهة ثانية، أجوبةً قابلةً للتطبيق في مواجهة تحدّيات الحاضر. في هذا الاطار تتمّ مساءلة اللغة العربيّة والتبعيّة الطائفيّة وصورة الجسد في الاسلام، ويتمّ بالقدْر نفسه إدراج بروز الفردانيّة والفكر النقديّ والتوق الى الديموقراطية في سياق تحرّر الأفراد. وتستعرض هذه النصوص المعوقات التي تصطدم بها هذه التوجّهات نظرًا الى كونها تتعرّض للتحريف والتشويه وإلى كونها تُمنى بالفشل جزئيًّا أو كلّيًّا. ولكنها لا تزال تطبع الحاضر في انتظار مستقبلٍ أفضل.

فضلًا عن مساءلاتٍ تتعلّق بالشيعيّة والديموقراطيّة، والعلمنة، وبيروت، والفساد الاداريّ في لبنان، وعن “حياتَي” طه حسين، والتوق الدائم إلى تحقيق الديموقراطيّة الذي يتجلّى في التعبيرات المتنوّعة لتحرّر الأفراد.

أجدني، والحال هذه، أمام سؤالَين إثنَين:

الأوّل: هل من أهميّةٍ فعليّةٍ – واقعيّةٍ – راهنةٍ لكتاب أحمد بيضون هذا، في غمرة العواصف الوجوديّة التي تضرب لبنان والعالم العربيّ؟

الثاني: أيُّ فائدةٍ تُرتجى من الكلام عن أحمد بيضون الآن؟

جوابي عن السؤال الأوّل: نعم. وبقوّة.

جوابي عن السؤال الثاني: الفائدة عظمى الآن. الآن خصوصًا. وهنا. أي في لبنان 17 تشرين الأوّل 2019.

أحمد بيضون.

لماذا؟ لأنّي أزعم أنّ أحمد بيضون نموذجٌ يُقاس عليه، ويُحتذى، إذا كان ثمّة مَن يبحث عن خلاصٍ للبنان، من خلال حكومةٍ برئيسها والأعضاء (أكرّر: برئيسها والأعضاء) تكون مَعبرًا إلى إصلاحاتٍ فوريّةٍ، ماليّةٍ واقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ و… قضائيّة، وإلى قانونٍ مشرِّفٍ للانتخابات تُجرى على أساسه انتخاباتٌ مبكرة، تؤدّي ديموقراطيًّا إلى إنتاج مجلسٍ للنوّاب بديلٍ (برئيسه والأعضاء)، وحكومةٍ بديلةٍ (برئيسها والأعضاء)، وحكمٍ بديلٍ (برئيسه والإدارات).

ولأنّي أزعم أنّ أحمد بيضون هو، شأن كثيراتٍ وكثيرين من النساء والرجال اللبنانيّين، يمكنه أنْ يكون نموذجًا للبديل الدولتيّ – الوطنيّ – السياسيّ – الإداريّ الذي يجب أنْ يتولّى الحكم في لبنان، لا الوزارة والنيابة فحسب، بل الرئاسة. وأقصد الرئاسات كلّها.

ولن أتوانى عن امتداح هذا الرجل. فأنا أحبّ أنْ أمتدحه، حيث يمكنني أنْ أخترع، كلّ يوم، سببًا وجيهًا لامتداحه.

ذلك أنّ شخصه، قامته، عقله، فكره، لغته، رؤيته السوسيولوجيّة، أدبه، شِعره، ثقافته، منهجيّته، دماثته، صلابته، قيمه، معاييره، تنوب عن كلّ سببٍ إضافيٍّ طارئ.

وسأضيف: زهده – وزهد مثيلاته وأمثاله – بمراكز السلطة ومناصب الحكم، وترفّعه – ومثيلاته وأمثاله – عن ارتجاء “الفوائد” التي يرتجيها من هذا “المجد”، أهلُ الالتهام والافتراس، بل اللئام وأهل اللؤم مطلقًا.

إنّه يُمدَح لكونه موجودًا. وأيضًا لكونه موجودًا بيننا. وفي ظهرانينا اللبنانيّة والعربيّة.

اليوم بالذات، أي الآن، في غمرة البحث عمّا يستجيب توق اللبنانيين إلى الخروج من عباءات الطبقة السياسيّة الفاسدة، المثقلة بعار المهانات والأوزار والأوساخ والنتانات، بهدف إنتاج حياةٍ وطنيّةٍ مضفورةٍ بالكرامة والأنفة والترفّع والكِبَر، من خلال البحث عن “حكّام” يتمتّعون بالجدارة والفروسيّة والصلابة الروحيّة (الرجولة!) والنزاهة والرؤيا والرؤية والاختصاص والإدارة المحنّكة والاستقلال ومعرفة معنى السياسة وجوهرها، يمكنني أنْ أدلّ على أحمد بيضون الذي مثيلاته وأمثاله كثيراتٌ وكثيرون في الحياة اللبنانيّة – أعرفهنّ وأعرفهم مثلما أعرفه وأكاد، لولا التحفّظ، أنطق بأسمائهنّ وأسمائهم – لتولّي معجزة إنقاذ لبنان واللبنانيّين، لا من الفقر والجوع والإفلاس والانحطاط والجهل والقحط العقليّ والأمّيّة والتخلّف والزبائنيّة والطائفيّة والمذهبيّة فحسب، بل خصوصًا وأيضًا لإنقاذه وإنقاذهم من براثن الوحوش اللاأخلاقيين الذين ينهشون دولة لبنان، ويجعلونها عارًا بين الأمم.

أحمد بيضون من مواليد بنت جبيل، 1943. كاتبٌ وعالِم اجتماع. وضع أكثر من عشرين مؤلَّفًا في العربيّة والفرنسيّة، تتناول في غالبيّتها إمّا مسائل المجتمع والنظام السياسيّ في لبنان، وإمّا بعض مظاهر الثقافة واللغة العربيّتَين. إلى ذلك، هو كاتبُ رحلة، وشاعرٌ، و”منتمٍ” إلى أهل “الفسبكة” المتفكّرة.

أتشرّف بأنْ أشتهي للحكم في لبنان مواصفاتٍ للحكّام، أزعم أنّ أحمد بيضون – مثيلاثه وأمثاله كثرٌ – يمثّل نموذجًا لها.

Akl.awit@annahar.com.lb

نجم الدين خلف الله: في صحبة أحمد بيضون

في “العربيّ الجديد”، ٢٦ أكتوبر ٢٠١٩

كان الطقس مُشمساً يَلفُّ مدينة “وجدة” المغربية، التي كانت تحتضن، أيامَها، فعالياتِ “مَعرض” وما تخلّله من نَدواتٍ. كان الباحث اللبناني أحمد جالساً في ردهة الفندق، يُطالع صفحات الفضاء الأزرق “التي تُوِّجَ عليها ملكاً”. وبَين الفَينة والأخرى، يحادث بعضَ المشاركين الذين وَفدوا من أوروبا والعالم العربي إسهاماً في مؤتمرات المعرض. كنتُ أحدَهم: أذرَعُ الردهةَ جيئةً وذهاباً في انتظار الحافلة التي سَتُقلّنا إلى مَسرح المدينة.

قلتُ في نفسي: سَأنتهز هذه الفرصة الثمينة وأسأل هذا الباحث، وهو من البقية الباقية من المتضلّعين في الضاد في عصرنا إلى جانب تألُّقه في لسان موليير، عن علاقة المباني بالمعاني في العربية. هي مسألة صرفيّة دلاليّة استنفَدت زمناً طويلاً من مُطارحات النحاة القدامى، مثل ابن جنّي وابن يعيش، وأرَّقت مَضاجع المُحدثين من العرب والمستَعربين، مثل عبد وإبراهيم أنيس، فضلاً عن ريجيس بلاشير وبيار لارشي وأندري رومون وجورج بوهاس من معاصرينا الفرنسيين.

مفهوم “الحَدْس اللغوي” ميَّزَ واضعي الكلمات الأوائل 

أطرق أحمد بيضون برهةً قصيرةً ثم قال بعفوية وهدوءٍ: “العلاقة بين أوزان الأفعال ودلالاتها ليست علاقة مُطّردة، إذ لا يُمكن للاطِّراد أنْ يَحكمها، بالنظر إلى التطوُّر المستمر في استحداث الأفعال وتضخّم أعدادها المستمر، في ظل نشاط الصحافة الدؤوب وازدهار الأدب. القانون الوحيد الذي يمكن اعتمادُه في توصيف العلاقة بين مباني الأفعال ومعانيها، هو التغليب، أيْ: أن نُغَلِّبَ كون دلالة وزن: فَعَّلَ، مثلاً، هي المبالغة، ودلالة استفعلَ الطلبُ، وهكذا، دون أن يكون هذا الاقترانُ ضرورياً ولا منطقياً.

وبنفس تلقائيته تلك، أشار صاحبُ “كلمن” إلى مفهوم “الحَدْس اللغوي” الذي ميَّزَ واضعي الكلمات الأوائل، وعلى ضوئه تَصرّفوا واستحدثوا مفردات الأفعال، فكأنَّهم، حَدسوا، وبحكم العادة والتكرار، أنَّ صيغة فعَّل تدلّ على المبالغة في الفعل، فصاغوا، على قياسها: كَسَّر وقتَّل و هدَّم… في حين حَدسوا أنّ وزن استفعل يفيد الطلب في مثل: استفهم واستخبر واستنجد… وهكذا، غلّبوا هذا الحَدس في صياغة سائر الأفعال، دون أن يَصنعوا منه قاعدةً مطلقةَ الاطراد.

وأما الشواذ، أضاف مُحدّثي في دقته، التي تَكسر هذه القاعدة العالية، فمردها إما إلى عامل الاستثقال الصوتي، حين لا تَتَلاءم الحروف في بعض الصيغ، إذ لا يمكن مثلاً اشتقاق فعلٍ على وزن “استفعل” من مادة: جَزَرَ. وقد يُردُّ هذا التباين بين الأوزان ومعانيها إلى استعجال توليد كلماتٍ، إذ قد تَجري الكلمة كما اتفق، في إطار حاجة آنية تفرض ابتكار فعلٍ ما، دون مراعاة ذلك التطابق.

وتخلَّص بيضون، بنبرته الرخيمة، أنّه كلما امتد الزمن كثرت الشواذ واستفحل التباين بين الأوزان ومعانيها، وضاع الاقتران بين القيم الأصلية للمباني وتجلياتها اللسانية. ففِعلٌ مثلَ استقبل، مثلاً لا يدل على مبدأ “الطلب” ولا على معنى “المبالغة” ولا “الوجدان”، وهي المعاني الثلاثة الأساسية التي وضعها النحاة القدامى مثل: الزمخشري والاستراباني وابن جني.

وحتى الغلطُ، أضاف مُحاوري، الذي قد يعتري عملية الاستحداث يمكن أن يكون سبباً من أسباب التباين بين الدال الصوتي والمدلول الذهني. وفي سبيل التأكد من اقتران المباني ومعانيها خَطرَ لنا معاً إنجاز عمل بحثي استقصائي يشمل عشرة آلاف فعل على وزن فَعَّل مثلاً لإحصاء مدى غلبة مبدأ ما على غيره من المبادئ، ثم مدى حضور هذا التغليب بالنظر إلى عدد الشواذ…

شكرتُ الأستاذ قائلاً: إنَّ فكرة “التغليب” وعدم الاطراد حلٌّ وَسط أرضى عقلي وسَيُيسر لي تدريسَ العربية للناطقين بها وبغيرها حين تُقدم هذه الفكرة كمبدأ رياضي يتواءم مع المنطق الحاكم في أبنية الأفعال. وما إن أنْهَينا حديثنا حتى أطلت علينا الصديقة رشا الأمير، فأخبرناها بما كنّا نخوض فيه. أقرّتنا على مبدأ التغليب وابتسمت.

قلت في نفسي: حَصل الإجماع في هذه المسألة بين عاشقَيْن للضاد، وهو ما يشرع للكتابة عنها انتظاراً لما ستؤول إليه نتائج البحث الإحصائي في مدونة محصورة، عسى أن يَثبُتَ الإجماعُ بالأرقام ويتقوى. وقد يتأكد مبدأ التوافق بين ألفاظ الأفعال ومعانيها