العَلْمانيةُ خِلْسةً؟[1]
أحمد بيضون
لا تتمتّع العلمانية بصيت حسن في المشرق العربي. ولم يكن لطوفان الإسلام السياسي واحتدام تيّاراته إلا أن يزيدا صيتَ العلمانية سوءاً. لم يظهر نفعٌ يذكَر للصوت الذي ارتفع ألف مرّة منوّهاً بأن “فصلَ الدين عن الدولة” ليس خروجاً على الدين وإنما هو يحمي الدين إذ ينزّهه عن ابتذال المنازعات السياسية…
تختلف ردود الفعل، والحقّ يقال، على المواقف ذات المشرب العلماني من بلادٍ في هذه المنطقة إلى أخرى. ففي مصر يجازف المرء باستثارة من يبتغي ردَّه إلى الصواب بحمّيةٍ قد تبلغ حدّ العنف إذا هو أعلن في محفل عامٍّ تأييده لنظام حكم علماني. بل إنه قد يستدرج ردّ الفعل نفسه إذا قال بعلمنةٍ ذات بالٍ للقانون المدني وهذا على الرغم من الصفة التي يجهر بها اسم هذا القانون. يبقى صحيحاً مع ذلك أن تغيير هذا النظام أو ذاك من أنظمة الحكم في المنطقة قد يقوّي وقد يضعف النوازع إلى نشر سلطان الدين على مضامير بعينها من الحياة الاجتماعية لا يكون الدين قد استولى على مقاليدها إلى ذلك الحين.
في لبنان، يبقى دعاة العلمانية أقلّيين إلى حدّ يتيح إدراجهم بين أسرى الوهم. فهم وإن لم يكونوا مثارَ نفورٍ مبادر لا يمثّلون خطراً على النظام القائم أيةً كانت عللُه التي لا يرجى لها شفاء. مع ذلك لا يلقي خصومُ الواقعية هؤلاء سلاحَهم وهم لم يلقوه، في الواقع، في أيّ وقت. وقد حصل أن حصّلوا تنازلات ثانوية من النظام ولكن الطائفية تبقى سيّدة الموقف في ديارها سواء أتعلّق الأمر بالنظام السياسي أم بمساقات الاندراج في الاجتماع وبأطره وبالعلاقات البَيْنَفَرْدية.
في العراق أيضاً، مضى من زمن طويل عهدُ مِثال العلمنة ذات المنحى الاشتراكي ولكن العلمنة عادت فعرفت بعض الحظوة غداة الاجتياح الأميركي للبلاد في سنة 2003. ففي وسط الجائحة التي مثّلها الصراع الطائفي سُمعت أصوات ما لبثت الجائحة أن خنقتها لمثقّفين طلبوا النجدة من ماكيافيلي أو من لوك عسى أن يتمكّنوا من صوغ الأجوبة التي تقتضيها المواطنة لمسائلِ ما بعدَ الدكتاتورية ولظواهرِ التعبئة العدوانية طائفيةً كانت أم قوميةً أم قبَلية…، إلخ.
وإذ يشعر العلمانيون العرب بالضعف العامّ في قواعد موقفهم نراهم يوطّنون أنفسهم في كلّ مكان تقريباً على الغضّ شيئاً ما من صراحة مطالبهم ذات الصفة العلمانيّة المسمّاة باسمها ويرتدّون إلى مواقع ينعتونها بـ”المدنية”. تلك صفة تُسمع لها أصداءُ عداءٍ للطواقم الدينية أخْفَتُ من أصداء الأخرى. وتجد الإصلاحات التي يرد ذكرها تحت هذا العنوان تتويجاً لها في مطلبٍ إستراتيجيّ هو مطلب “الدولة المدنية”. وكان الأَوْلى أن يقال “حكومة مدنية” إن شئنا الإبقاءَ على المصطلح الذي يعتمده جون لوك إذ المذكور هو المرجع المعلن أوالمبطن لهؤلاء الإصلاحيين الشجعان. فنقول “حكومة مدنية” ولا نقول “دولة مدنية” بالإنكليزية ولا نقرب الترجمة الحرفية إلى الفرنسية لهذه العبارة الأخيرة إذ هي تنقلنا من صعيد للوقائع إلى صعيد آخر.
والخلاصة أن مصطلح “الدولة المدنية” مصطلح أنكلوسكسوني الأصل. وهو قد رعى، حيث ولد، إمدادَ مؤسّسة العرش بشرعية مضافة مصدرها الكنيسة القومية. ولكنه لم يجعل نفسه أساساً للتمييز بين جماعات المواطنين المذهبية في حقوق المواطنة. ومعلومٌ أن هذا الحرص لم يُنْجِ بريطانيا من أطوارِ نزاعٍ مديدة كان الأثر المذهبي واضح الفاعلية فيها. وفي المشرق العربي، استَعْمل مصطلحَ “الدولة المدنية” مصريّون وعراقيّون بشيءٍ من العفويّة: حَداهم إلى ذلك طولُ عهدهم بمصادره الأنكلوسكسونيّة فضلاً عن توجّسٍ مرجّحٍ من ردود الفعل بين ظهرانيهم على الرطانة العلمانية. ثم استحوذت على المصطلح نفسه فئة من المثقّفين اللبنانيّين كانت راغبةً، هي أيضاً، في جعل المستقبل الذي تدعو إليه مثاراً لمقدارٍ من القلق أقلّ.
على أن مصطلح “الحكم المدني” هذا إذ يُدْعى إلى الاستواء ضدّاً لمصطلح الحكم العسكري، من جهةٍ، ولمصطلح الحكم الديني أو الطائفي، من الجهة الأخرى، يبدو وكأنّما يحمّل فوق طاقته فيسيء أداء المهمّة المنوطة به. وذاك أنه يوشك أن يجنح إلى السفسطة أو إلى الحذلقة الخطابيّة حين يزعم القدرةَ على الاستواء بديلاً لاثنين من أنظمة الحكم طالما ناطحَ أحدُهما الآخرَ أو هما لم يظهر بينهما من السمات المشتركة ما يعتدّ به، في كلّ حال. فالواقع أن الحكم الديني يصبح في وسعه، إذا اعتمدنا هذا الخلط، أن يعلنَ نفسه مدنيّاً طالما أنه ليس بالعسكري وأن الحكم العسكري يسعه إذّاك أن يصفَ نفسه بالمدنيّ ما دام أنّه ليس دينياً. وهو ما ينتهي إلى استحالة هذا البديل المقترح إلى عبارةٍ فارغة… هذا ما لم ندرج بكلّ الصراحة المقتضاة، في موضع القلب من هذا المفهوم، مبدأ العلمانيّة مصحوباً بمقدّماته الفلسفيّة: وهي الحرّيةُ والمساواةُ بين المواطنين. فهاتان هما بمثابة الأساس، وهما الحدُّ أيضاً، للسيادة الشعبيّة التي تجعل لجماعة المواطنين صفةَ مصدر التشريع فتمنع استتباعَ الدولة من جانب السلطة الدينيّة وتمنع بالتالي كلّ تمييزٍ بين المواطنين على أساس الدين.
وذاك أن قصارى المثال العلمانيّ ليست كبت الدين ولا الرزوح على حرّيات المتدينين. وإنّما هي أن يُبْعِد التقديس عن أهل السلطة وعن أعمال التشريع والسياسة، وهذا مع انطوائه على العلم بوجود أصولٍ دينية للقيم التي يفترض أن ترعاها هذه وأولئك. ففي اعتماد هذا المثال وعيٌ لكون اعتماد التقديس في هذا المضمار أو استدعاء المقدّس إليه لا يعدوان تمهيد الأرض للاستبداد بدعوى تمثيل المقدّس وللفساد بشتّى ألوانه بعد استبعاد الجرأة من جانب الرعايا على المحاسبة. هذا التقديس يوجّه صاحبَ السلطان، في نهاية المطاف، إلى البطش بكلّ معارضة متوسّلاً وصفها بالمروق من الطاعة لله وللمؤتمنين على مشيئته في الأرض وفي أهلها.
في غداة ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، اقتضت المناقشات المتعلّقة بطبيعة النظام المصري الجديد تجديد البحث في مبدإ “الدولة المدنية”. ونجد بين أيدينا محاولة إسلامية للاستيلاء على هذا المبدإ تستحقّ أن نقف عندها. تلك محاولة أحمد سالم الذي وقّع باسم “أبو فهر السلفي” كتيّباً جعل موضوعه “الحكم المدني”. وهو يوضح فيه مستعيناً على ذلك ابن تيمية وآخرين من أعلام الفقه أن من يَلُون الأحكامَ في الدولة الإسلامية عليهم أن يعتمدوا شرع الله مرجعاً وحيداً لهم. ولكنه يضيف أن هؤلاء الأفراد الذين يعيّنهم أناسٌ آخرون ولا يحصُل تعيينُهم بأمرٍ ربّاني لا يُعَدّون، بأيّ معنىً، بشراً معصومين. وعليه يبقى تفسيرُهم الشرعَ وكذلك اتبّاعُهم إيّاهُ قابلَين للأخذ والردّ. ويصحّ أن تطلق على حُكمهم صفةُ المدنيّ لجهة أنه لا يسعه الاعتداد بمصدرٍ إلهيّ فلا يعتبر حكماً ثيوقراطيّاً.
هذه السلطةُ تبقى، في اتّباعها الشرعَ، أسيرةَ حدودٍ بشريّةٍ كلّياً تحدّ عقولَ متولّيها وإراداتِهم. عليه لا تكون الدولة المسايرة لهذا التصوّر دولةً دينيّةً في عُرْفِ أبي فهر. فإنّما هي دولةٌ مدنيّةٌ وليس لهذه الصفةِ أن تمنعَ، بأيّ حالٍ، وصفَها بأنّها دولةٌ إسلامية. ندرك إذن أنّ الدولةَ الإسلاميّة شيءٌ والدولةَ الدينيّة شيءٌ آخرُ مختلف ٌ عنها جدّاً. هذا ولا ينسى أبو فهرٍ تذكيرَنا بأنّ هذه الدولةَ التي يمثّل التزامُها الشريعةَ ضمانَ شرعيّتها الوحيدَ ليست بالدولة العلمانيّة.
ما الذي تفقده هذه الدولة بافتقادها الصفة العلمانيّة؟ لا يصعب علينا أن ندرك أنّ المساواةَ بين المواطنين هي رأس ما يضحّى به ههنا. فإنّ المؤمنين (أي المسلمين) يُعَدّون ذوي امتيازٍ تلقائيّ على سواهم من الأهلين. وتتعرّض حرّياتٌ مختلفةٌ للامتهان ويصبح غيرُ المسلمين هم الضحايا المعرّضين بالأوّلية للتضرّر من امتهانها بحكم استضعافهم. على أنّ الحرّيةَ التي يبدو غيابُها ساطعاً عن عالمِ أبي فهرٍ الذهنيِّ إنّما هي تلك التي تحتلّ موقعَ الركيزةِ من تصوّرِ العلمانيّةِ وهي حرّيّةُ الضمير. ويعاني المسلمون الذين يُحال بينهم وبين تغييرِ معتقدهم من غيابِها فوقَ ما يعانيه أولئك الذين يتعيّنُ عليهم القبولُ بموقعهم الدونيّ لقاءَ ما يسلَّم لهم به من هذه الحرّية. وأمّا العلمانيّةُ فإنّ ما يسبق رعايتَها توزّعَ المعتقداتِ الجماعيةِ في المجتمع إنّما هو، في عُرْفِها، حقُّ كلٍّ من المواطنين في اعتناقِ الاعتقاد الذي يرضيه وحقُّه، إذا لزم الأمر، في تغييره مستجيباً لما تدعوه إليه خبرته.
فهل يجدي أنصارَ العلمانيّة في مجتمعاتنا التي يغلب عليها الإسلامُ شيئاً أن يقدّموا تضحياتٍ تتناول المضمونَ أو أخرى تُقْتصَر على الشكلِ وحسْبُ فيرفعوا مثلاً رايةَ الحكم المدنيّ عوضاً عن رايةٍ أخرى يرونَها أشدَّ استنفاراً للخصومةِ هي راية العلمانيّة؟ وألى أيّ مدىً يُمْكِنهم المضيُّ في تكييفِ العلمانيّةِ أو في تلطيفِها إذا هم شاؤوا الإبقاءَ على الجوهر؟ هل يجدي رشُّ بعضِ السكّرِ على اللقمة المرّة وكأنّما يُرادُ تهريبُ نظامٍ للحُكْمِ برمّتِه يرفُضُه المستهدفون به؟ وهل يصحّ، من الجهة الأخرى، أن يضحّى بمبدإ السيادةِ الشعبيّةِ وهو الضامنُ لحريّةِ المواطنين وللمساواة بينهم؟ وهل يستقيمُ أن يُنْكَرَ على هذه السيادةِ موقعُها بما هي مصدرُ التشريع؟
وهل يُنْكَرُ أنّ حرّيةَ الضميرِ، وهي المقدَّمةُ بين الحرّيات، مُورثةٌ لصُنوفٍ شتّى من التنوّع سواءٌ أَوُجِدَ التعدّدُ المذهبيُّ في المجتمع أمْ لم يوجَد؟ وإذا كان يتعيّن على الدولة العلمانيّة أنْ تحمي المذاهبَ الدينيّة وأنْ تضمنَ لها حرّيةَ الشعائرِ في حدودِ النظامِ العامّ فهل يعتبر مشروعاً أن يجازَ للطوائفِ ضمُّ الأفرادِ ضمّاً حُكْميّاً، على ما هي الحالُ في لبنان، إلى جماعاتٍ لا يرغبون في الانتماء إليها؟ أليست هذه القاعدة، وهي داخلة في جوهر النظام القانونيّ والسياسيّ في لبنان، منافيةً لحرّياتٍ أساسيّة يضمَنُها الإعلانُ العالميُّ لحقوقِ الإنسان؟ وهل يفعل شيئاً سوى الإفراط في الهزل، من جهةٍ أخرى، من يطلقُ صفةَ العلمانيّة على النظامين البعثيين في سورية والعراق؟ لا نشير هنا إلى اتّخاذهما العنوانَ العلمانيّ قناعاً لطائفيةٍ معلومةٍ في الحالتين. وإنما نرى أَوْلى بالإشارةِ ضراوةَ الحرب التي شنّاها دائماً على حريّة الضمير حيث وُجِدَ لها أثر. ونشيرُ للمَساقِ نفسه أنّ التصدّي بالعنف لحركاتٍ أو طواقمَ ذاتِ صفةٍ دينيّةٍ لا يسبغ صفة العلمانيّة على الفاعلِ تلقائيّاً. فإنما يقبع جذرُ هذه الأخيرةِ في تربةٍ أخرى بعيدةٍ كلَّ البعدِ عن هذه.
من جهتِها، تعتمد الدولةُ الدينيّةُ أو المذهبيّةُ منطلَقاً لها التعيينَ الرمزيّ َلِمَن لهم مقامُ السادةِ ورسمَ نطاق المجالِ الذي هو مجالُهم ومجالُ الجماعةِ التي ينتمي إليها أتباعُهم. هكذا تُحَجِّب هذه الدولةُ النساءَ وتفرض عليهنّ نظاماً سلوكيّاً مُغالياً في دقّةِ أحكامِه وذلك لإبلاغِ سلطانِها عمقَ الأجسادِ والبيوت. والحالُ أنّ َأجسادَ النساءِ ودواخلَ البيوت يمْثُل فيها شرفُ الرجال أيضاً. عليه يبسط أصحابُ السلطةِ الدينيّةِ سيطرتَهم على الرجالِ حين يَجْعلون شرف هؤلاء تحت رقابتهم عبْرَ تحكّمِهم بسلوك النساء. ويصبحُ في وُسْعهم مُذّاكَ أنْ يَزيدوا في كثافةِ الشعائرِ بحيثُ تَتّخذ صفةَ الوسواسِ وأن يميلوا بهذه الشعائرِ نحو الأداءِ الجَمْعي. ذاك ما يفضي، في اعتبارهم، إلى القضاء على كلّ مقاومةٍ، مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ، لهيمَنَتِهم.
ما يزالُ المشروعُ الكلّيُّ للدولةِ الدينيّة مشتّتاً نسبيّاً، في المجال العربيّ الراهن، متباينَ درجاتِ التحقّق. ولكنه يتوفّر على مَواردَ مَهولةٍ من كلِّ نوعٍ في المجال المذكور. فهو يُفيدُ من أساليبِ عملٍ مجرّبةٍ، وهذه أساليبُ ليس في ترسيماتِها العامّةِ شيءٌ إسلاميٌّ سوى جانبٍ من مصطَلَحِها. وأمّا السلطةُ التي تفرزها هذه الأساليبُ فليست إلهيّةَ الصفةِ بأيّ حال. وإنّما هي سلطةُ فئةٍ من الناس تضرب فروعُها في كلّ اتّجاهٍ أو تملك إمكانَ التفرّع في الأقلّ.
لا يَجزي التيّار العلماني أن يواجه ماردَ السلطةِ الدينيّةِ مواجهةً طويلةَ النفَسِ بما يقْرُب أن يكون لَعِباً بالألفاظ ولا يَجْزيه أن يواجِهَها بتنزّلاتٍ جوهريّةٍ وتسوياتٍ إستراتيجيّةٍ في كلّ حال. بل إنّ على المقاومة العلمانيّة أن تستبقي لنَفْسها درجةَ الشُمول المكافئةَ لتلك التي يتميّزُ بها الخصم. يبقى أن أُولى مهمّاتِ التيّارِ العلمانيّ هي تقديمُ البرهان على وجوده. فالواقعُ الذي لا بدّ من التصريح به أنّ التيّارَ العلمانيَّ العربيَّ مردودٌ في الوقت الحاضر أسفلَ سافِلِين. ولا يبدو منظرُه مثيراً لغيرِ الشَجَن إذا ما هو قيسَ بمنظر مُخاصميه.
ومن ذلك أنّ بعضاً من أقربِ الجماعاتِ إلى الاضطلاع بعبْءِ المقاومةِ العلمانيّة تؤثِرُ إخفاءَ رأسِها في حضنٍ لا يَحمي هو حضنُ المنطقِ الأقَلّي. هي خائفةٌ على حرّيّاتها وهذا خوفٌ ممتّعٌ بالشرعيّة وبالواقعيّة معاً. ولكنْ أينَ لخطِّ الدفاعِ الأقلّيِّ، وهو الساعي إلى تعميمِ التمييزِ والمُدافعُ أيضاً عن الطغاة، أن يأمَلَ الصمودَ فيما هو يُسْهم في طمْسِ الفوارق في صفوف الأكثرية إذ لا يَجِدُ ما يعرِّفُ به نفْسَه غيرَ مُجابهتِها؟ أليس أقربَ إلى الحكمةِ وأبعدَ، في الوقتِ نَفْسِه، عن المذلّةِ أن يتّجهَ السَعْيُ نحوَ نبذِ التمييزِ بصُوَرِه جميعاً عوضَ المثابرةِ، بقوّةِ العادةِ وحْدَها، على البحثِ عن ملجإٍ في تمييزٍ تؤمَلُ منه الحمايةُ ولكنّهَ يزدادُ قرباً كلَّ يومٍ من دنيا الوَهْم؟
Aménager la Laïcité ?
Pertinence et Limites
Ahmad Beydoun
La laïcité a plutôt mauvaise presse dans le Monde arabe. Les réactions aux prises de position laïcisantes diffèrent, bien entendu, d’un pays à l’autre. En Egypte, on risque fort de susciter de vifs sinon de violents rappels à l’ordre si l’on s’avise de se déclarer en public partisan d’un système de gouvernement laïc ou même d’une laïcisation conséquente du droit civil pourtant arborant haut ce qualificatif. Il n’en reste pas moins vrai que les changements de régime accentuent ou, au contraire, tendent à affaiblir les velléités d’étendre l’empire de la religion à des zones de la vie socio-politique échappant encore à son contrôle.
Au Liban, les promoteurs du laïcisme restent si minoritaires qu’on se permet de les traiter de lunatiques, sympathiques sans doute, mais encore loin de représenter un danger pour le système en place quelle qu’en soit les incurables avaries. Néanmoins, ces irréalistes ne désarment pas, n’ont jamais désarmé. Il arrive qu’on leur fasse des concessions mineures mais, tant au niveau du système politique qu’à celui des procès et des cadres de socialisation et des rapports interindividuels, le communautarisme reste bien maître chez-lui.
En Irak aussi, le laïcisme a vu passer son heure de gloire, apparemment, au lendemain de l’invasion américaine de 2003. Au milieu du péril intercommunautaire dont les ravages allaient bientôt les étouffer, des voix d’intellectuels appelaient Machiavel ou Locke à la rescousse afin de formuler des réponses citoyennes qu’ils jugeaient pertinentes aux problèmes de l’après-dictature et des mobilisations autant confessionnelles qu’ethniques ou tribales…Etc.
Se sentant en position de faiblesse globale, les laïcistes arabes, en dépit de leur courage parfois couteux, se résolvent un peu partout à mettre en veilleuse leurs revendications ouvertement laïques (‘almaniyya) pour se replier sur des positions qu’ils qualifient de « civiles » (madaniyya). C’est une notion aux résonances anticléricales plus discrètes. Les réformes dont il est question, à l’ombre de cet étendard qui vient recouvrir, sans le renier, celui de la laïcité, sont coiffées par la revendication stratégique d’une « dawla madaniyya » : un « gouvernement civil », devrait-on dire pour parler comme Locke qui semble bien être la référence, implicite ou explicite, de ces braves réformateurs. « Civil Government », par conséquent, plutôt que « Civil State » ou, a fortiori, qu’«Etat civil» qui nous renverrait à un autre ordre de faits. La notion de « dawla madaniyya » est bien d’ascendance anglo-saxonne. Usitée spontanément par des Egyptiens ou par des irakiens, elle s’est vu être réappropriée par une intelligentzia libanaise soucieuse, elle aussi, de rendre moins inquiétant l’avenir qu’elle s’efforce de promouvoir.
Cependant, en prétendant s’opposer, ainsi que l’invite à le faire le contexte arabe, d’une part à celle de gouvernement militaire et de l’autre à celle de gouvernement religieux ou confessionnel, la notion de gouvernement civil ainsi poussée à trop embrasser, risque, sans surprise, de mal étreindre. Elle tournerait aisément au sophisme ou à l’acrobatie rhétorique en caressant l’ambition de servir d’alternative commune à deux types de gouvernement qui ont si peu de traits communs. En effet, le gouvernement religieux pourrait, à la faveur de cet amalgame, se dire civil puisqu’il n’est pas militaire et le gouvernement militaire se prétendre civil en tant qu’il n’est pas religieux. Ce qui achèverait de réduire à une notion creuse l’alternative préconisée… à moins, toutefois, de mettre bien en évidence, au cœur même de cette notion, le principe de laïcité flanqué de ses présupposées philosophiques : à savoir la Liberté et l’Egalité des citoyens, fondements et, à la fois, limites d’une souveraineté populaire qui, en reconnaissant à la communauté des citoyens la qualité de source du droit, interdit toute inféodation de l’Etat à un pouvoir religieux et, par conséquent, toute discrimination des citoyens selon le religion.
Au lendemain de la Révolution du 25 janvier 2011, les discussions relatives à la nature du nouveau régime ont ramené sur le tapis la notion de ‘dawla madaniyya’. Une tentative de récupération islamique de ce modèle mérite d’être relevée. Il s’agit de celle d’Ahmad Salem qui signa du surnom d’Abou Fihr al-Salafi un petit ouvrage fort brillant sur le Civil Government. Il y explique, Ibn Taymiyya et d’autres docteurs de la Loi islamique a l’appui, que, dans un Etat islamique, les hommes au pouvoir doivent bien avoir le Shar’ de Dieu pour unique référence. Cependant, ces gens qui sont nommés par d’autres hommes et non pas par décret divin ne sont à aucun titre infaillibles. Leur interprétation de la Loi, aussi bien que leur observance de celle-ci, restent, par conséquent, éminemment discutables. Leur pouvoir peut être dit civil aussi bien dans la mesure où, ne pouvant se prévaloir d’une source divine, il n’est pas un pouvoir théocratique. Dans son exercice du Shar’, ce pouvoir reste également prisonnier des limites bien humaines de l’intelligence et de la volonté de ses détenteurs. L’Etat ainsi conçu, explique Abou Fihr, n’est pas un Etat religieux ; c’est bien un Etat civil, ce qui ne devrait nullement l’empêcher d’être dit Etat Islamique. Une chose serait l’Etat islamique, on le voit, une tout autre l’Etat religieux. Last but not least, cet Etat dont l’adhésion à la Shari’a, est le seul garant de sa légitimité, Abou Fihr n’oublie pas de le rappeler, n’est pas un Etat laïc.
Que perd-t-il à ne pas être laïc ? Il n’est pas difficile de constater que c’est l’Egalite des citoyens qui est sacrifiée en premier, les fidèles (ici : les Musulmans) étant d’office privilégiés par rapport aux non-fidèles. Diverses libertés se trouvent également précarisées, ce dont les plus fragiles, c’est-à-dire surtout les non-musulmans peuvent souffrir plus particulièrement. C’est cependant la liberté qui est au fondement même du concept de laïcité, c’est-à-dire la liberté de conscience qui, dans l’univers mental d’Abou Fihr, fait cruellement défaut. Les musulmans qui ne sont pas libres de changer de croyance en souffrent encore plus qui doivent se résigner à une position subalterne en échange de ce qui leur est concédé de cette liberté. La laïcité, elle, avant de tenir compte de la macro-diversité des crédos dans une société, prend acte du droit de chaque citoyen d’adopter le credo qui le satisfait et de le changer, éventuellement, en conformité aux appels émanant de son expérience.
Dans nos sociétés a dominante islamique, les adeptes de la laïcité ont-ils vraiment intérêt à faire des concessions de fond ou même de forme en brandissant, par exemple, le drapeau du gouvernement civil en lieu et place de celui, plus hérissant, de l’Etat laïc ? Jusqu’où peut-on aller, si l’on tient à sauver l’essentiel, dans l’aménagement ou l’acclimatation de la laïcité ? Peut-on sacrifier le principe de la souveraineté populaire, garant de la Liberté et de l’Egalité des citoyens ? Peut-on accepter qu’on dénie à cette souveraineté son statut de génératrice de droit ? Et précieuse entre toutes, la liberté de conscience n’est-elle pas, en dehors même des pluralismes communautaires, génératrice de diversités ? Et si l’Etat laïc doit se faire un devoir de protéger les communautés religieuses et de leur garantir, dans les limites de l’ordre public, l’exercice de leurs activités, est-il légitime, pour autant, d’englober d’office, comme au Liban, des individus dans des groupes qu’ils récusent ? Cette pratique, consubstantielle au système juridico-politique libanais, n’est-elle pas négative de libertés fondamentales que garantit la Déclaration Universelle des Droits de l’Homme ?
L’Etat religieux ou confessionnel prend pour point de départ la désignation symbolique des maîtres et la délimitation du territoire qui est le leur et celui de la communauté de leurs sujets. Il voile les femmes et leur impose un code de conduite minutieux afin de projeter son pouvoir aux tréfonds des corps et des foyers. Or, dans les corps de femme et la pénombre des foyers réside aussi l’honneur des hommes. Et c’est des hommes, placés sous surveillance dans leur honneur, que les détenteurs du pouvoir religieux se rendent maîtres en prenant le contrôle des femmes. Ils pourront désormais intensifier, jusqu’à les rendre hallucinants, les rituels tout en les collectivisant. Ainsi ils pensent venir à bout de la résistance directe et indirecte de la société à leur domination…
Encore divers et éclaté, le projet totalitaire de l’Etat religieux dispose d’immenses ressources de toutes sortes ; il met à contribution des techniques d’action éprouvées, dont d’ailleurs les schèmes généraux n’ont d’islamique qu’une partie de leur terminologie. Le pouvoir ainsi secrété n’est jamais celui de Dieu. Il est celui d’une caste disposant de ramifications tous azimuts ou susceptible de les développer.
Ce n’est pas avec des jeux de mots, moins encore avec des concessions substantielles et des compromis stratégiques, que le courant laïc peut faire face durablement au mastodonte religieux. La résistance doit être aussi englobante que la stratégie de l’adversaire. Toutefois, la première tâche du courant laïc est celle d’exister. Car aujourd’hui – il faut bien le reconnaitre – le laïcisme arabe est réduit à sa plus simple expression. Il offre surtout un spectacle affligeant au vu du rythme de développement de son adversaire.
Certains groupes des plus aptes à porter le fardeau de la résistance laïque se réfugient dans le giron frileux de la logique minoritaire. Ils craignent pour leurs libertés, ce qui est aussi réaliste que légitime. Mais la ligne de défense minoritaire qui prône la discrimination généralisée ou encore la défense des despotes, peut-elle tenir le coup si, n’ayant comme maître mot que l’isolement de la majorité, elle contribue à réduire la diversité de cette dernière ? N’est-il pas plus sage et, en même temps, moins avilissant de prôner la mise à l’index institutionnalisée de toute discrimination au lieu de continuer, par la force de la seule habitude, à élire domicile dans une discrimination protectrice qui devient chaque jour plus chimérique ?
[1] قُرِئَت هذه الورقة، بصيغتِها الفرنسيّة، في يومٍ دراسيٍّ انعَقد في “بيت المحامين” في باريس في 4 تشرين الثاني 2014 تحت عنوان “تكييف العَلْمانيّة؟”
ثمّ نشرها موقع
Fait Religieuxالفرنسيّ .
وأمّا تَرجَمَتُها العرَبيّةُ فأُدْرِجَت في كتابي “الربيع الفائت: في محنةِ الأوطانِ العربيّةِ أصولاً وفُصولاً” الصادرِ سنة 2016 عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت.
وفي ما يلي النصّان العربيّ والفرنسيّ تباعاً: يَقْرأُ الراغبُ أيّاً منهما يُناسبه.